نأكل ما لا نراه: تسرب BPA إلى مياه الشرب وآثاره كمعطل هرموني صامت

نأكل ما لا نراه: تسرب BPA إلى مياه الشرب وآثاره كمعطل هرموني صامت

01 Dec 2025

الكاتب: أحمد علي محمد الشمرتي
الاختصاص: صحة عامة
 عضو في جمعية "معًا لحماية الإنسان والبيئة"
الموقع: العراق / النجف الأشرف

المقدمة

شهد القرن الحالي اعتمادًا واسعًا على المواد البلاستيكية في جميع مجالات الحياة، بدءًا من حفظ الطعام وصولًا إلى شبكات مياه الشرب. أدى هذا الانتشار إلى زيادة الاهتمام بآثار المركبات الكيميائية التي ينتجها البلاستيك عند تعرضه للحرارة أو التخزين طويل الأمد.
يُعد مركب البيسفينول A (BPA) أحد أكثر هذه المركبات انتشارًا، إذ يوجد في عبوات المياه، الأغلفة البلاستيكية، أنابيب التوصيل، والأسطح الداخلية للمعلبات.

ما هو BPA ولماذا يُستخدم؟

صُمم BPA منذ بداية القرن العشرين ليُستخدم كمكون رئيسي في تصنيع البلاستيك الصلب الشفاف (Polycarbonate) وراتنجات الإيبوكسي المستخدمة في تبطين العلب.
يمتلك هذا المركب قدرة على محاكاة هرمون الإستروجين عبر الارتباط بمستقبلاته في الجسم، مما يجعله ضمن فئة معطلات الهرمونات.
ورغم أن التعرض الحاد لكميات كبيرة من BPA نادر الحدوث، فإن التعرض المزمن لكميات ضئيلة جدًا – في حدود أجزاء من المليون أو حتى أجزاء من المليار – يرتبط بتغيرات فسيولوجية تتراكم ببطء مع الزمن.
المعضلة: الكمية الواحدة ضئيلة، لكنها مع الزمن ومع تكرار الاستهلاك تصبح ذات أثر بيولوجي فعلي.

مسارات تسرب BPA إلى مياه الشرب

يتسرب BPA من المواد البلاستيكية إلى مياه الشرب عبر ثلاث مسارات أساسية:

  1. التسرب الحراري
    ارتفاع درجة حرارة الماء داخل قناني البلاستيك، خاصة عند تركها في السيارة أو تحت الشمس، يزيد معدل انتقال BPA إلى السائل.
    أظهرت تجارب مختبرية أن التسخين يمكن أن يرفع معدل التسرب حتى 40 ضعفًا مقارنة بدرجة حرارة الغرفة.

  2. التسرب نتيجة التآكل الفيزيائي
    مثل الخدوش، الالتواءات، وإعادة الاستخدام المتكرر للقناني البلاستيكية، مما يؤدي إلى تفكيك الروابط الكيميائية في البولي كربونات، ويسمح بانتقال جزيئات حرة من BPA إلى الماء.

  3. التسرب من شبكات المياه ومواد التغليف
    الأنابيب البلاستيكية المستخدمة في نقل المياه، بطانة الخزانات وأجهزة التصفية، ومواد التغليف البلاستيكية عند تخزين المياه لفترات طويلة.

خطورة BPA وآثاره الصحية

لا يُعد BPA مادة سامة تقليدية، بل مادة تحدث تغييرات وظيفية في الخلايا.
يمتلك BPA بنية مشابهة للإستروجين، مما يسمح له بالارتباط بمستقبلاته، وهذا الارتباط يربك الإشارات الحيوية الطبيعية، خاصة في الدماغ، الغدد، والأعضاء التناسلية.

أبرز الآثار الصحية:

  • أثناء الحمل: يؤثر على نمو الدماغ، تمايز الخلايا، والحساسية الهرمونية مستقبلًا.
  • في مراحل لاحقة: يرتبط باضطرابات الأيض مثل مقاومة الإنسولين، السمنة المركزية، واضطرابات نشاط الغدة الدرقية.
  • تم الكشف عن BPA في بول البالغين، دم الحبل السري، وحليب الأم، مما يعني أن التعرض شامل ومتواصل.

التوصيات للوقاية من التعرض لـ BPA

  1. اختيار عبوات خالية من BPA (المكتوب عليها BPA-Free) أو استخدام الزجاج، الفولاذ المقاوم للصدأ، أو السيراميك لتخزين المياه والأطعمة.
  2. تجنب تعريض البلاستيك للحرارة وعدم وضع المياه في عبوات بلاستيكية داخل السيارات الحارة أو صب السوائل الساخنة فيها.
  3. عدم إعادة استخدام العبوات البلاستيكية المخصصة للاستخدام الواحد.
  4. الاهتمام بوسائل حفظ أطعمة الأطفال والرضع، واستخدام رضاعات زجاجية أو بلاستيكية خالية من BPA، وعدم تسخين الحليب في العبوة البلاستيكية مباشرة.
  5. تعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التعرض المزمن لـ BPA والبدائل الصحية الآمنة، ودعم التشريعات البيئية.